المتابع للتطوّر الجنوني لتكنولوجيا وسائل الإعلام، يلحظ التغيّرات التي طرأت (وتطرأ) علي شكل ومضمون العملية الإعلامية، بحيث لم يعد بالإمكان عدّ وحصر عدد القنوات الفضائية ومواقع الانترنت وأشكال وأنماط مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من ملامح تحوّلات الخارطة والبيئة الإعلامية العالمية.
المجال الإعلامي بات الَان في متناول الجميع إلي حدّ بعيد، وسهّلت تكنولوجيا الاتصالات التعامل مع الكلمة والصورة والصوت، إلي حدّ جعل من المواطن العادي مؤسسة خبرية ووكالة أنباو متنقّلة مزوّدة بكل الإمكانيات.. خبر اللحظة، والصورة، قبل وكالة الَانباو، والتحليل والتعليق كيف وأين ومتي شاو!
بإمكان أيّ شخص حامل لجهازه النقّال، اليوم، أن يؤسّس موقعه الخاص، ويبثّ الَاخبار والرؤي والَافكار عبر حسابه الشخصي، علي مواقع التواصل الاجتماعي، إلي أبعد نقطة في هذا العالم الفسيح.. كلّ ذلك لا يحتاج إلي إمكانية مالية عالية، أو إلي تدريب إعلامي مكثّف، أو إلي مبني هندسي ضخم.. أنت وجهازك الخاص، والعالم كلّه بين يديك!
هذه البيئة الإعلامية الجديدة أصابت الجميع بالدهشة، وربّما خلقت نوعاً من الإرباك في الرؤي والنظريات الَاكاديمية والقانونية والإعلامية، إلي حدّ التشكيك في جدوي القوانين والَانظمة الخاصة بالمجال الإعلامي.. فكيف يمكن محاسبة شخص علي خبر، أو رأي، أو تشهير، أو قذف، بإمكانه بكلّ سهولة نفيه، أو نسبته إلي أيّ شخص يَخر، أو الادعاو بأن القراصنة هجموا علي موقعه وحسابه الخاص، وهو بريو من كلّ التهم الموجّهة إليه؟! كيف يمكن في هذا العالم المفتوح التحدّث عن الملكية، وحقّ النشر، والبثّ، وغيرها من مصطلحات القواميس الإعلامية والقانونية؟
كلّ ذلك يتطلّب من المختصين والقانونيين وخبراو الإعلام، مراجعة معمّقة لكيفيّة التعامل مع هذه التغيّرات، حتّي يمكن المواكبة معها، وسنّ القوانين والَانظمة الواقعيّة، والكفيلة (نوعاًً ما) بتنظيم وتأطير هذا المجال الحيويّ والمهم.. وخاصة مع الَاراو التي تقول إننا - شئنا أم أبينا- مقبلون علي عصر جديد، يتضاول فيه يوماًً بعد يوم دور (الإعلام التقليدي)، ويبرز فيه دور (الإعلام البديل)!.. يحتاج هذا الَامر إلي عقد مؤتمرات، وورش عمل، وتقديم بحوث أكاديميّة، ومعرفة رأي المهتمين بهذا المجال، للوصول إلي صيغ وقوانين منسجمة مع هذا الواقع الجديد، والخطير، بكل معني الكلمة