إقليم كردستان في مواجهة تحدي الوجود مع بغداد
كوردی عربي English

اخبار رياضة المقالات اللقاءات اخبار فى صور فيديو نحن اتصل بنا
x

إقليم كردستان في مواجهة تحدي الوجود مع بغداد

يهدف هذا المقال إلى رسم صورة شمسية متكاملة قدر المستطاع لطبيعة العلاقة التي مرت على إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد لعقدين كاملين، فلم تكن القضية الكردية في خطر منذ سنة 1991 كما هي عليه الآن، لكن لا بد من تثبيت حقيقة تاريخية وهي: أن تشكيل الإقليم الفدرالي لكردستان يعود إلى ما قبل التغيير في 2003، فهو من الترتيبات التي تركها النظام العراقي في عهد رئيسه صدام حسين الذي قرر الانسحاب الإداري الشامل من ثلاث محافظات كوردية " السليمانية، أربيل، دهوك" [وهذا من حسناته] وهي المنطقة التي كانت تحت خط 36 المفروض عليه حظر الطيران، بكلمة أخرى أن وجود المنطقة الكردية في غالبها بإدارة مستقلة ليست من ثمرة النظام العراقي الجديد ولا من ضميره الحيّ أو حسه الإنساني المرهف أو عقله السياسي المتطور، ولهذا لما تشكل العراق في نظامه الحالي والشعارات بمجيء عهد الدمقراطية وحقوق الإنسان كانت تصم الآذان، كان النقاش حادا حول إقليم كردستان الذي أصر على النظام الفدرالي البرلماني للعراق، في معارضة من الأحزاب العربية السنية التي رأت فيه تقسيماً للبلد وموافقة تكتيكية من الأحزاب الشيعية، فالسنة لم يترددوا في المحافظة على الكيان الكردي -باعتباره واقعا- شرط عدم نقله الى المناطق الأخرى، بخلاف الشيعة الموافقين على النظام ليتسع للبلد كله.

هكذا كانت البداية حول طبيعة النظام، وبعد مرور 21 سنة على الحرب وتغيير النظام الحاكم، الأمور منقلبة الآن بالتمام والكمال، فالسنة العرب دفعت بهم التجربة المرة لعقدين من الزمن على تقبل والعمل على تأسيس فدرالية في الوسط وأضحوا أقرب الى الطرف الكردي، لكن لذة السلطة والسيطرة غيرت وجهة الشيعة إلى العمل على الانقضاض على النظام الفدرالي من أساسه.

وفي هذه الأوقات إن معول الهدم فعال لتحطيم الجسد السياسي والإداري الكردي من قبل الحاكمين في بغداد الذين يتعاملون مع الدستور كقائمة طعام، ولا يألون جهدا ولا يستغنون عن سند داخلي أو خارجي من أجل تقويض الإدارة وتفريغ الفدرالية من محتواها الفلسفي، والأدوات لتحقيق هذه الغاية هي ثلاث: (السلاح، الاقتصاد، القانون)، وفي كل مرحلة تفعل إحداها، بدأت الخطة قبل أكثر من عشر سنوات، وسوء الإدارة الكردية المحلية ساعدتهم في تنفيذ الخطة بإتقان، في الأوقات الرّاهنة فإنَّ أداة القانون هي الفاعلة وهي سلاح المواجهة عبر المحكمة الإتحادية.

هذه المحكمة تأسست قبل كتابة الدستور أثناء سلطة الائتلاف المؤقتة والحاكمة المباشرة بقيادة بول بريمر الحاكم المطلق للعراق، بأمر إداري منه وقانون اكتسب قوته من قوة الاحتلال، بعد كتابة الدستور الجديد الدائم، وبناء على مبدأ فصل السلطات ثبتت المحكمة الإتحادية في الدستور في المواد "92، 93، 94" بالنص على أن أحكامها "باتة وملزمة"، لكن الإشكالية تكمن في نقطتين، وهما: عدم وجود قانون ناظِم لعمل المحكمة كما تنص المادة رقم -92-، فبعد مرور 18 عاما على عمل المحكمة الإتحادية وفق الدستور فإنها تعمل وهي مطلقة اليد في الحركة والنظر في المواد الدستورية والفصل بين المتنازعين، والإشكال الثاني هو ممارستها السافرة للسياسة، وكسر حاجز الفصل بين السلطات، النقطة الأولى هي تقصير من الجانب الكردي وفعل متعمد من الجانب الآخر الذي يعمل بخطة إستراتيجية لابتلاع مؤسسات البلد عبر اصدار القرارات المُلزِمة حتى ولو كانت مخالفة لبنود الدستور أو لقوانين نافذة!

عند النقاش يقال إن السياسة جزء من عمل المحكمة الإتحادية حسب المصلحة التي هي تقدرها، لكن حتى مع التسليم بهذه الذريعة فإنها يجب أن تكون سياسة وطنية وليست فئوية، وأن لا تستغل من أجل الحرب على جهة من الجهات في نطاق البلد لصالح جهة أو جهات أخرى، والدليل قراري المحكمة في 21-2-2024 المتعلقان بإقليم كردستان عن إجراء الانتخابات ورواتب الموظفين، فقد تجاوزت المحكمة الحاجز الدستوري وتحولت عَبر القرارين إلى مؤسسة سياسية من جانب وتشريعية من جانب آخر وقضائية من جانب ثالث، حيث وضعت آليات قانونية مفصلة التي هي من اختصاص الأجهزة التشريعية مثل بنود متعلقة بتفاصيل إجراء الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان، وبذلك وضعت المحكمة الإتحادية نفسها بديلا عن الدستور ومتدخلة في عمل البرلمان، سحبت صلاحيات توزيع رواتب الموظفين من وزارة المالية في الإقليم وأسندتها مباشرة إلى وزارة المالية في بغداد، وألغت حصة "كوتا" المكونات التي هي أقليات عددية أو مكونات دينية في كردستان، في حين أنها موجودة في قانون الانتخابات الاتحادية المُعَدَّل والصادر في -نيسان 2023-، فهي تتجاوز بذلك الدستور بالاستناد على بنود الدستور، وهذا ما يسمى في قوانين العقل بقانون الدَوْر، والسبب في ذلك أن المتنفذين في مؤسسات الدولة في بغداد الأمنية منها تحديدا هم يريدون ذلك. وهؤلاء المتنفذين المقربين من إيران لا يتوانون من المجاهرة بأنهم يريدون انهاء وجود ما يسمى بالإقليم، فهي إذا رؤية عراقية إقليمية تنهش في الجسد المؤسساتي في كردستان.

إن ما يحدث الآن هو وقوع أربيل في فخ الترحيل والتأجيل للملفات القانونية المؤثرة في المستقبل، ونتيجة لتغير موازين القوى، فمن أجل تجاوزه بسلام والحفاظ على الحقوق والمكتسبات، يستوجب الأمر إعادة المعادلات السابقة للقوى الحاكمة والمؤثرة على الأحداث كما كانت البداية.

وبالاسترشاد بالقرآن الكريم بما أن نصوصه مطلقة محكمة، توضح الحقائق وتصور أحداث الحياة، فقد نص على أن إتباع الأهواء يدفع الإنسان إلى الانحراف عن القواعد التشريعية الحقة والمبادئ العقائدية المنزلة: (وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأرْضُ وَمَنْ فِيهِنّ) [المؤمنون: 71]، الآية تتحدث عن الهوى والدين، لكنها قاعدة حاكمة لمفردات الحياة وكاشفة لطبيعة البشر، تنبّه الى سد الطريق أمام الإخلال بالحق بحجة المصلحة العامة أو الخاصّة، إن النصوص الدستورية ليست مقدسة لها حكم الاجتهاد البشري، لكنها موضوعة كمرجع للثبات والاستقرار ليحلّ محل الأمزجة والأهواء، ولمنع تحويل الحق إلى لعبة بيد القوي المتسلط، والمحاكم الدستورية تحديدا في الدول المسلمة ينبغي لها استحضار التقوى من لي ذراع الحقيقة، فهي اجتهاد كأي اجتهاد آخر متعلق بالحقوق والواجبات، وكثير منها داخلة في النطاق الشرعي الديني من حيث الحفاظ على الأمانة ومن حيث وجوب التقيد بالقيم العليا، ومن حيث أداء واجب المسؤولية التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة، وهذه جزئية من جزئيات ربط الدين والأخلاق بالسياسة وتدبير الشأن العام.

أهم أخبار